مواضيع مماثلة
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
مواضيع ثابتة
اسماء الرياح وأنواعها
_______________________________________
اسماء أيام الأسبوع في الجاهلية
_______________________________________
سبب تسمية الاشهر الهجرية
-----------------------------------
شبكة العراب الاخبارية al3rab newsدخول
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
دراسة (لعنة الفراعنة) ج 2
صفحة 1 من اصل 1
دراسة (لعنة الفراعنة) ج 2
الجزء الثاني من لعنة الفراعنة
3 - تايتانيك..
* فى صيف 1985م، وبعد أشهر من البحث، استقل البروفيسير (روبرت بولارد)، المتخصِّص فى تصوير الأعماق، الغوَّاصة العلمية (ألفن)، والمجهزة للغوص حتى مسافة 13 ألف قدم، تحت سطح المحيط، لاستكمال مشروع البحث عن حطام سفينة، غرقت منذ ثلاثة وسبعين عاماً تقريباً..
كانت الغوَّاصة (ألفن) مزوَّدة بإنسان آلى صغير، يكمن فى تجويف خاص فى مقدمتها، ويمكن إطلاقه بوساطة قائدها، إلى مسافات تعجز الغوَّاصة عن بلوغها، فى أعمق الأعماق..
وعبر كاميرا صغيرة، فى مقدمة الآلى (أرجو)، راح البروفيسير (بولارد) يتلقى عشرات الصور، لأعماق المحيط الأطلنطى، فيفحصها ويراجعها بمنتهى الدقة، دون أن يعثر فيها على أدنى أثر لما يبحث عنه..
ثم فجأة، بدأ (أرجو) يرسل مجموعة من الصور الإيجابية..
صور لم تكن واضحة فى البداية، إلا أنها لم يلبث أن اتضحت رويداً رويداً، وأصبحت جلية نقية، على نحو انتفض به قلب (بولارد) بين ضلوعه، وتفجَّر معه الحماس فى قلوب كل رجل من رجال بعثته الصغيرة..
هذا لأن (أرجو) قد عثر أخيراً على السفينة موضع البحث..
والأهم، أنها لم تكن سفينة عادية..
بل كانت أشهر سفينة غارقة، فى التاريخ الحديث كله..
كانت (تايتانيك)..
و(تايتانيك) هذه كانت سفينة عظيمة هائلة، تعتبر طفرة تاريخية فى تاريخ صناعة وبناء السفن، إذ أنها أضخم سفينة ركاب شهدها العالم، حتى تاريخها، إذ بلغ وزنها 52310 طناً، وبلغ طولها 882 قدماً، وعرضها 94 قدماً فى المتوسط، كما أن ارتفاعها كان يبلغ ارتفاع مبنى من أحد عشر طابقاً..
حتى اسمها، كان يعنى المارد..
ولم تكتف (تايتانيك) بالضخامة، وإنما أضافت إليها الفخامة المفرطة أيضاً، والتى لم تعرفها سفينة ركاب من قبل، وبالذات فى درجتها الأولى، ذات حجرات النوم الهولندية، وقاعات الطعام الكبيرة، والصالونات الفاخرة، والشرفات الضخمة…
وعندما تم الإعلان عن تدشين (تايتانيك)، تسابق كبار الأثرياء والتجار لحجز أماكنهم عليها؛ للفوز بأولى رحلاتها، التى ستعبر خلالها المحيط، حتى تصل إلى الشاطئ الأمريكى.
وفى العاشر من أبريل 1912م، ترقب العالم بمنتهى اللهفة، رحلة (تايتانيك) الأولى عبر المحيط، وأحيطت تلك الرحلة بدعاية هائلة، حتى لقد اصطف آلاف الناس، على رصيف ميناء (كوينستون) فى (إنجلترا)، بين مودعين ومشاهدين، لمراقبة السفينة العملاقة، والانبهار بها، ومشاهدة انطلاقتها الأولى، وعلى متنها صفوة الأثرياء ورجال المجتمع، وفى قاعها مئات من مسافرى الدرجتين، الثانية والثالثة..
وانطلقت (تايتانيك)..
انطلقت تمخر عباب المحيط، فى زهو وخيلاء، وصاحبها يُعلن، فى تعال مغرور، أن سفينة من القوة والضخامة، حتى أن القدر نفسه، لا يمكنه أن يغرقها..
ويا لها من عبارة جاحدة، متجنية، مغرورة، حمقاء..
ففى الرابع عشر من أبريل، وبعد أربعة أيام فحسب من بدء رحلتها، وبخطأ ملاحى صغير، ارتطمت العملاقة (تايتانيك) بجبل جليدى ضخم، لم يدر أحد، حتى هذه اللحظة، كيف لم يره قبطانها ومهندسوها وبحارتها..
وعلى الرغم من أن السفينة الماردة، كانت مصممة بحيث يمكن عزل أى قسم يصاب منها، عن باقى أجزاءها، إلا أن المياه قد غمرتها بسرعة مدهشة، لم تسمح باتخاذ أية إجراءات وقائية..
وابتسم القدر فى سخرية، عندما بدأت (تايتانيك) تواجه ما تصوَّر صانعوها أنه مستحيل!!..
الغرق..
وطوال اثنتى عشرة ساعة كاملة، وكم هائل من الرعب، واضطراب ما له من حدود، راحت (تايتانيك) تغرق.. وتغرق.. وتغرق..
وفى يوم 15 أبريل 1912م، اختفت (تايتانيك) تماماً، فى قاع المحيط الأطلنطى..
وكان يمكن ألا نربط بين غرقها ولعنة الفراعنة، بأى حال من الأحوال، لولا ما نشره أحد الناجين منها فيما بعد، مع روايته كشاهد على عملية غرق أشهر سفينة فى التاريخ..
ففى شهادته، أشار الرجل بشكل عابر، إلى أن مخزن بضائع السفينة كان يضم تابوتاً لكاهنة فرعونية، ارتبط وجوده بأحداث مخيفة رهيبة، قبل أن يغرق مع كل ما غرق ومن غرق مع (تايتانيك)..
فمنذ تم وضع التابوت فى مخزن البضائع، فى قاع (تايتانيك)، كان عمال المخزن يرون ويسمعون ما أصابهم بالرعب، وجعلهم يطالبون بإعفائهم من العمل، أو نقلهم إلى وظيفة أخرى، حتى ولو تم تخفيض رواتبهم، أو مضاعفة جهدهم..
فما أن يحل الليل، كانوا يسمعون تأوهات الكاهنة، ويرون شبحها، و…
والواقع أننى شخصياً لا أصدق حرفاً واحداً من كل هذا، بل وأشعر معه بالكثير من الخيال والتدليس، خاصة وأنه ليس من السهل أن تتواجد امرأة فى عالم الكهنة، فى (مصر) الفرعونية..
ثم أن أحداً لم يعثر على ذلك التابوت المزعوم قط، بعد العثور على حطام (تايتانيك)، وكل ما كان على سطحها تقريباً..
إلا أن القصة تجدى صدى كبير، لدى كل المتابعين لأسطورة لعنة الفراعنة، وكل من يسعى لإثبات صحتها أو عدمها، حتى أنك ستجدها فى عشرات الكتب والمراجع، الخاصة بهذا الأمر..
وعندما تم سؤال البروفيسير (روبرت بولارد) عن قصة تابوت الكاهنة هذه، جاءت إجابته غامضة للغاية، إذ أنه لم يؤكد وجوده، كما لم يؤكد فى الوقت ذاته العثور على عشرات الأشياء الأخرى، ولكنه لم ينف فكرة تواجده تماماً، وإنما أشار إلى أن عشرات السنين، التى قضتها (تايتانيك)، فى قاع المحيط الأطلنطى، كانت كافية تماماً لتحلل وفساد واختفاء عشرات الأشياء، من سطحها، وقاعها، ومخزن بضائعها بالطبع..
وجواب البروفيسير (بولارد) منطقى تماماً، فالتابوت كان مصنوعاً من الخشب، وليس من الحجر، والمومياء ستتلف حتماً، وسط المياه المالحة، وربما تلتهما الأسماك أيضاً..
أو أن هناك تفسير آخر..
ففور الإعلان عن العثور على حطام السفينة العملاقة، تسابق مئات من هواة التحف والأثريات، لحجز وشراء أى شئ، تم العثور عليه داخلها..
وهناك شائعة قوية، تقول: إن أحد كبار الأثرياء الأمريكيين قد ابتاع التابوت سراً، وبداخله مومياء الكاهنة بالطبع، خشية أن يطالب به متحف (نيويورك) رسمياً، نظراً لأنه كان مشحوناً لحسابه، بالفعل، عندما غرقت (تايتانيك)..
ولكنها تبقى مجرد شائعة..
تماماً ككل ما يرتبط بتلك اللعنة الوهمية المزعومة..
فمن المدهش أنه، وعلى الرغم من انتشار المصطلح، ومن آلاف القصص والروايات، وأفلام السينما، والكتب التى دارت حوله، إلا أنه لا توجد قصة دقيقة واحدة، أو حتى رسالة علمية منطقية، حاولت البحث عن الأمر..
كل ما حدث هو عملية رصد دقيقة لحالات الوفيات، بين معظم من عملوا فى مجال البحث عن الآثار الفرعونية..
والفرعونية بالتحديد..
فالعجيب أن أحداً لم يتحدث عن أية لعنة، تصيب الباحثين عن الآثار الرومانية، أو اليونانية، أو الآشورية، أو حتى حضارات الأنكا، فى (أمريكا) الجنوبية.. فقد ارتبطت اللعنة بالآثار الفرعونية..
وبالذين سعوا خلف الآثار الفرعونية..
الرحالة الشهير (بلزونى) مثلاً، جاب العالم، بحثاً عن الآثار، فى مختلف البلدان، وحقق انتصارات مدهشة ومثيرة، دون أن يصيبه مكروه..
ثم جاء إلى (مصر)، وبدأ ينبش قبور الفراعنة، ونقل قاعدة تمثال (آمون) من (الأقصر)، وانتشل مسلة من قاع النيل، وأجرى أبحاثاً طويلة عن هرم (خوفو)، بحثاً عن مدخله، واقتحم المقابر، والمعابد، واستخرج الجثث، والمومياوات، والعظام..
ثم فجأة، أصابه ذلك المرض الغامض، الذى أصاب معظم علماء الآثار، فسيطرت عليه حمى لاهبة، وأصابه الهذيان، وطاردته الهلاوس، حتى لقى حتفه، فى مساء الثالث من ديسمبر، عام 1823م، وهو بعد فى الخامسة والأربعين من عمره..
نفس الحمى..
ونفس النهاية..
ولأن حالات الموت متشابهة دوماً، فى كل من أصابته لعنة الفراعنة المزعومة، فقد جذب هذا انتباه واهتمام البروفيسير الألمانى (فيليب فاندنبرج)، والذى خرج إلينا بتفسير جديد للعنة الفراعنة..
تفسير علمى..
ولأوَّل مرة.
4 - وتحدث العلم..
* عبر السنوات الطويلة، التى تردَّد خلالها مصطلح (لعنة الفراعنة)، كانت معظم الكتب والدراسات، الخاصة بها، تقتصر على تسجيل ورصد الحالات، التى ارتبطت بالتنقيب عن آثار فرعونية، والتى لاقت مصيراً غامضاً، وعانت من حمى غامضة مجهولة، تنتهى عادة بالوفاة..
ثم جاء كتاب البروفيسير الألمانى (فيليب فاندبنرج)..
وكتاب (فاندبنرج) يعد موسوعة علمية متكاملة، عن (لعنة الفراعنة)، ومحاولة شديدة الجرأة؛ للبحث عن تفسير علمى لها، من خلال مختلف اتجاهات العلم، بدءاً من الكيمياء، ووصولاً إلى الإشعاعات النووية..
ولقد اهتم (فاندبنرج) كثيراً بتسجيل معظم الحالات، التى أصابتها (لعنة الفراعنة)، من وجهة نظره، ثم توقف طويلاً عند تلك الحمى، التى أصيبت بها معظم الحالات، والتى أدت إلى الهذيان والهلوسة، ثم الموت فيما بعد..
ومن هنا، وضع العالم الألمانى نظريته..
ونظرية (فاندبنرج) تربط لعنة الفراعنة بثلاثة احتمالات علمية، تبدو فى جانب منها منطقية ومعقولة، إلى حد كبير..
الاحتمال الأوَّل هو أن تحوى مقابر الفراعنة، وملوكهم على وجه الخصوص، غازات سامة، أو عقاقير وأتربة بطيئة المفعول، من ابتكار الكهنة، الذين أخفوا دوماً علومهم عن العامة، وإن تركوا لنا دلائلها، من خلال سر التحنيط، الذى حار فيه علماء الكيمياء، حتى يومنا هذا..
ومن وجهة نظر العالم الألمانى، أن الكهنة قد ابتكروا نوعاً من السموم شديدة البطء، أشبه بعقاقير الهلوسة، ومزجوها بأتربة المقابر الخاصة بالملوك، كوسيلة لعقاب كل من تسول له نفسه نبشها أو سرقتها..
وربما كانت تلك العقاقير أكثر تأثيراً فى الماضى، وأسرع مفعولاً، إلا أن خواصها قد تغيرت تماماً، عبر آلاف السنين من التخزين، ولكنها، وفى كل الأحوال، تترك أثرها فى دماء كل من يقتحم المقابر الفرعونية، ويستنشق ترابها، ثم يبدأ تأثيرها بعد عدة سنوات، على شكل حمى، وهذيان، وهلوسة..
والاحتمال قد يبدو منطقياً للوهلة الأولى، إلا أن قليل من التفكير فيه، يجعلنا ندرك عقمه تماماً، إذ أن العلم قد قطع شوطاً ضخماً، فى السنوات العشر الأخيرة، وأصبح من السهل تحليل أتربة المقابر، ومعرفة كل ما تحويه، بل إنه هناك مراكز متخصصة لأبحاث التربة، يمكنها تحديد مكونات أية عينة من الأتربة بمنتهى الدقة..
وبمنتهى السرعة أيضاً..
والكشوف الأثرية ما زالت مستمرة، ولم تتوقَّف حتى الآن، ولو أن احتمال السموم بطيئة المفعول هذا وارد، لتوصل إليه العلم الحديث فوراً..
ولكن (فاندبنرج) نشر كتابه فى سبعينات القرن العشرين، وقبل أن يبلغ العلم هذا الحد، أو تظهر أجهزة وبرامج الكمبيوتر، التى قلبت كل الموازين، رأساً على عقب..
ولكن دعونا لا نتوقف طويلاً عن الاحتمال الأوَّل، ولننتقل منه إلى الاحتمال الثانى، والأقرب إلى المنطق..
الفيروسات..
فالبروفيسير الألمانى يفترض أنه كان هناك فيروس قديم، كامن فى أتربة مقابر ملوك الفراعنة..
فيروس ساد فى القرن القديمة، أو استخدمه الكهنة أيضاً، فى فترة ما، أو أنهم قد ورثوه من حضارة سابقة!!..
وذلك الفيروس ينتقل إلى أجساد من يقتحم المقابر، ويسرى فى دمه وأنسجته، ليقضى فيها فترة حضانته، التى تبلغ سنوات وسنوات، وترتبط بالقابلية الشخصية للإصابة، وبقوة مناعة الجسم، التى تختلف من شخص إلى آخر.. وعندما يبدأ ذلك الفيروس المفترض نشاطه، يصاب الإنسان بالحمى، التى تهاجم المخ على الأرجح، مسببة الهذيان والهلوسة..
والاحتمال هذه المرة منطقى وعلمى تماماً، ويمكننا هضمه واستيعابه، إلى حد كبير، وخاصة بعد ظهور فيروس (الإيدز)، الذى يكمن فى الأجساد لسنوات طويلة بالفعل، قبل أن تبدأ أعراضه فى الظهور..
ثم أن فكرة الفيروس هذه تتناسب مع الحمى المخية، والهذيان، والهلوسة، والوفاة أيضاً..
وكذلك تتفق مع عجز الأطباء عن تشخيص المرض، فى عصر لم تكن الأبحاث الطبية قد تطوَّرت إلى الحد الكافى، لكشف مثل هذه الكائنات الدقيقة، واستيعاب طبيعتها وأعراضها..
ولكن تعود بنا الخيوط إلى السؤال الأوَّل..
لماذا لم يعد ذلك الفيروس يظهر، فى الكشوف العلمية والأثرية الحديثة؟! هذا السؤال نتركه للبروفيسير الألمانى، ونتركه لعقولنا، تدرسه، وتناقشه، وتحلله..
ثم تتوصل إلى نتائجه..
أما نحن، فسننتقل إلى الاحتمال الثالث، فى نظرية (فاندبنرج)..
والاحتمال الثالث مدهش، ومثير للحيرة، ولست أدرى حتى كيف وضعه العالم الجليل، ولكن يبدو أن إيمانه بالفراعنة كان يتجاوز كل الحدود..
فذلك الاحتمال، هو أن ترتبط (لعنة الفراعنة) بنشاط إشعاعى ذرى، ظل مختزناً داخل مقابر الملوك لآلاف السنين، لينطلق فى وجه كل من ينبشها..
وربما يتفق الاحتمال مع بعد التأثير، ومع أعراض الحمى والهلوسة والهذيان، والموت فى نهاية المطاف، كما يتفق أيضاً مع عجز الأطباء القدامى عن تشخيص الحالات، وحيرتهم فى مواجهتها، إلا أنها تضعنا أمام احتمال جديد، يبدو أكثر خيالاً من كل ما سبقه..
احتمال أن الفراعنة كانت لديهم معرفة دقيقة بالنشاطات الإشعاعية.. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق..
حتى لو افترضنا أنهم قد توصلوا إلى تراب اليورانيوم مثلاً، وأن الكهنة قد أدركوا أنه يختلف عن التراب العادى، وأن له تأثيرات فتاكة على كل من يلمسه أو يستنشقه، فسنتساءل بدورها، كيف أمكنهم اتقاء تأثيره عليهم، دون أن تكون عندهم أبحاث، ودراسات، ووسائل مقاومة؟!..
ولو افترضنا أن هذا قد حدث بالمصادفة، ودون وعى منهم، وأن بعض المواد، الداخلة فى مساحيق التحنيط، كانت مواد مشعة فتاكة، فأين ذهبت هذه المواد، ولماذا غاب تأثيرها، واختفت من المقابر، على الرغم من أنها قد بقيت لآلاف السنين؟!..
ثم لماذا تواجدت فى الكشوف القديمة، ولم تتواجد فى الكشوف الحديثة؟! كل هذا ينبغى أن يقودنا إلى نتيجة واحدة لا غير، مع جزيل احترامنا للبروفيسير (فيليب فاندبنرج)، وشهرته، وعلمه الغزير..
يقودنا إلى أنه لا وجود لما يسمى بـ(لعنة الفراعنة)!..
ربما كانت هناك حوادث عديدة، ترتبط بكل من نقب عن الآثار، فى أزمته انخفضت فيها درجة الوعى الصحى، إلا أن هذا لا يعنى وجود لعنة أسطورية، صالحة لخيال الكتاب والسينمائيين، ولكنها غير قادرة على إقناع أى صاحب عقلية علمية أو منطقية..
وهنا، ينبغى أن أضم صوتى لكل الأصوات، التى ترفض، وبشدة، فكرة (لعنة الفراعنة) هذه، والتى تستنكر حتى ترديد المصطلح، أو حتى مناقشة احتمالات صحته..
وأهم ما ينبغى معرفته، فى هذا الشأن، هو أن أكثر من هاجم الفكرة، وحارب لإثبات زيفها وحمقها، هو الشخص الذى ارتبط اسمه بمنشئها، منذ أول مرة ظهر فيها المصطلح..
(هوارد كارتر) شخصياً..
فمع شغف الناس بالحديث عن الأمر وترديده، كتب (كارتر) عدد كبير من المقالات، وألقى مئات المحاضرات، واشترك فى عشرات الندوات، ليهاجم الفكرة، ويؤكد أنها مجموعة من المصادفات السخيفة، بدليل أنه أول من دخل مقبرة (توت غنخ آمون)، أو أول من رصد ما بداخلها، لو شئنا الدقة، ولم تصبه أية أعراض، يمكن أن ترتبط بالمصطلح..
لا ألم، أو حمى، أو هذيان، أو هلوسة..
ولقد عاش (كارتر) حتى عام 1939م، فى صحة جيدة، ودون أن يعانى سوى من الأعراض الطبيعية للتقدم فى العمر، حتى مات ميتة هادئة فى فراشه، وهو يواصل إنكاره واستنكاره لفكرة (لعنة الفراعنة)..
ولكن العجيب والمدهش أن أحداً لم يستمع إليه..
هذا لأن الفكرة، بما تحويه من أسطورية وغيبيات، قد استهوت الناس، فى كل أنحاء العالم، وأصبحت مادة تجارية رابحة، ووسيلة لترويج مئات الكتب، والروايات، والدراسات، وأفلام السينما..
وهكذا أغلقنا جميعاً باب العقل والمنطق، وغرقنا حتى النخاع فى هلاوس وخزعبلات وخرافات، وروايات لا أثل أو أساس لها..
أو ربما نفعل هذا كجزء من لعنة، تلازمنا جميعاً بلا هوادة..
لعنة الفراعنة.
تمت بحمد الله
3 - تايتانيك..
* فى صيف 1985م، وبعد أشهر من البحث، استقل البروفيسير (روبرت بولارد)، المتخصِّص فى تصوير الأعماق، الغوَّاصة العلمية (ألفن)، والمجهزة للغوص حتى مسافة 13 ألف قدم، تحت سطح المحيط، لاستكمال مشروع البحث عن حطام سفينة، غرقت منذ ثلاثة وسبعين عاماً تقريباً..
كانت الغوَّاصة (ألفن) مزوَّدة بإنسان آلى صغير، يكمن فى تجويف خاص فى مقدمتها، ويمكن إطلاقه بوساطة قائدها، إلى مسافات تعجز الغوَّاصة عن بلوغها، فى أعمق الأعماق..
وعبر كاميرا صغيرة، فى مقدمة الآلى (أرجو)، راح البروفيسير (بولارد) يتلقى عشرات الصور، لأعماق المحيط الأطلنطى، فيفحصها ويراجعها بمنتهى الدقة، دون أن يعثر فيها على أدنى أثر لما يبحث عنه..
ثم فجأة، بدأ (أرجو) يرسل مجموعة من الصور الإيجابية..
صور لم تكن واضحة فى البداية، إلا أنها لم يلبث أن اتضحت رويداً رويداً، وأصبحت جلية نقية، على نحو انتفض به قلب (بولارد) بين ضلوعه، وتفجَّر معه الحماس فى قلوب كل رجل من رجال بعثته الصغيرة..
هذا لأن (أرجو) قد عثر أخيراً على السفينة موضع البحث..
والأهم، أنها لم تكن سفينة عادية..
بل كانت أشهر سفينة غارقة، فى التاريخ الحديث كله..
كانت (تايتانيك)..
و(تايتانيك) هذه كانت سفينة عظيمة هائلة، تعتبر طفرة تاريخية فى تاريخ صناعة وبناء السفن، إذ أنها أضخم سفينة ركاب شهدها العالم، حتى تاريخها، إذ بلغ وزنها 52310 طناً، وبلغ طولها 882 قدماً، وعرضها 94 قدماً فى المتوسط، كما أن ارتفاعها كان يبلغ ارتفاع مبنى من أحد عشر طابقاً..
حتى اسمها، كان يعنى المارد..
ولم تكتف (تايتانيك) بالضخامة، وإنما أضافت إليها الفخامة المفرطة أيضاً، والتى لم تعرفها سفينة ركاب من قبل، وبالذات فى درجتها الأولى، ذات حجرات النوم الهولندية، وقاعات الطعام الكبيرة، والصالونات الفاخرة، والشرفات الضخمة…
وعندما تم الإعلان عن تدشين (تايتانيك)، تسابق كبار الأثرياء والتجار لحجز أماكنهم عليها؛ للفوز بأولى رحلاتها، التى ستعبر خلالها المحيط، حتى تصل إلى الشاطئ الأمريكى.
وفى العاشر من أبريل 1912م، ترقب العالم بمنتهى اللهفة، رحلة (تايتانيك) الأولى عبر المحيط، وأحيطت تلك الرحلة بدعاية هائلة، حتى لقد اصطف آلاف الناس، على رصيف ميناء (كوينستون) فى (إنجلترا)، بين مودعين ومشاهدين، لمراقبة السفينة العملاقة، والانبهار بها، ومشاهدة انطلاقتها الأولى، وعلى متنها صفوة الأثرياء ورجال المجتمع، وفى قاعها مئات من مسافرى الدرجتين، الثانية والثالثة..
وانطلقت (تايتانيك)..
انطلقت تمخر عباب المحيط، فى زهو وخيلاء، وصاحبها يُعلن، فى تعال مغرور، أن سفينة من القوة والضخامة، حتى أن القدر نفسه، لا يمكنه أن يغرقها..
ويا لها من عبارة جاحدة، متجنية، مغرورة، حمقاء..
ففى الرابع عشر من أبريل، وبعد أربعة أيام فحسب من بدء رحلتها، وبخطأ ملاحى صغير، ارتطمت العملاقة (تايتانيك) بجبل جليدى ضخم، لم يدر أحد، حتى هذه اللحظة، كيف لم يره قبطانها ومهندسوها وبحارتها..
وعلى الرغم من أن السفينة الماردة، كانت مصممة بحيث يمكن عزل أى قسم يصاب منها، عن باقى أجزاءها، إلا أن المياه قد غمرتها بسرعة مدهشة، لم تسمح باتخاذ أية إجراءات وقائية..
وابتسم القدر فى سخرية، عندما بدأت (تايتانيك) تواجه ما تصوَّر صانعوها أنه مستحيل!!..
الغرق..
وطوال اثنتى عشرة ساعة كاملة، وكم هائل من الرعب، واضطراب ما له من حدود، راحت (تايتانيك) تغرق.. وتغرق.. وتغرق..
وفى يوم 15 أبريل 1912م، اختفت (تايتانيك) تماماً، فى قاع المحيط الأطلنطى..
وكان يمكن ألا نربط بين غرقها ولعنة الفراعنة، بأى حال من الأحوال، لولا ما نشره أحد الناجين منها فيما بعد، مع روايته كشاهد على عملية غرق أشهر سفينة فى التاريخ..
ففى شهادته، أشار الرجل بشكل عابر، إلى أن مخزن بضائع السفينة كان يضم تابوتاً لكاهنة فرعونية، ارتبط وجوده بأحداث مخيفة رهيبة، قبل أن يغرق مع كل ما غرق ومن غرق مع (تايتانيك)..
فمنذ تم وضع التابوت فى مخزن البضائع، فى قاع (تايتانيك)، كان عمال المخزن يرون ويسمعون ما أصابهم بالرعب، وجعلهم يطالبون بإعفائهم من العمل، أو نقلهم إلى وظيفة أخرى، حتى ولو تم تخفيض رواتبهم، أو مضاعفة جهدهم..
فما أن يحل الليل، كانوا يسمعون تأوهات الكاهنة، ويرون شبحها، و…
والواقع أننى شخصياً لا أصدق حرفاً واحداً من كل هذا، بل وأشعر معه بالكثير من الخيال والتدليس، خاصة وأنه ليس من السهل أن تتواجد امرأة فى عالم الكهنة، فى (مصر) الفرعونية..
ثم أن أحداً لم يعثر على ذلك التابوت المزعوم قط، بعد العثور على حطام (تايتانيك)، وكل ما كان على سطحها تقريباً..
إلا أن القصة تجدى صدى كبير، لدى كل المتابعين لأسطورة لعنة الفراعنة، وكل من يسعى لإثبات صحتها أو عدمها، حتى أنك ستجدها فى عشرات الكتب والمراجع، الخاصة بهذا الأمر..
وعندما تم سؤال البروفيسير (روبرت بولارد) عن قصة تابوت الكاهنة هذه، جاءت إجابته غامضة للغاية، إذ أنه لم يؤكد وجوده، كما لم يؤكد فى الوقت ذاته العثور على عشرات الأشياء الأخرى، ولكنه لم ينف فكرة تواجده تماماً، وإنما أشار إلى أن عشرات السنين، التى قضتها (تايتانيك)، فى قاع المحيط الأطلنطى، كانت كافية تماماً لتحلل وفساد واختفاء عشرات الأشياء، من سطحها، وقاعها، ومخزن بضائعها بالطبع..
وجواب البروفيسير (بولارد) منطقى تماماً، فالتابوت كان مصنوعاً من الخشب، وليس من الحجر، والمومياء ستتلف حتماً، وسط المياه المالحة، وربما تلتهما الأسماك أيضاً..
أو أن هناك تفسير آخر..
ففور الإعلان عن العثور على حطام السفينة العملاقة، تسابق مئات من هواة التحف والأثريات، لحجز وشراء أى شئ، تم العثور عليه داخلها..
وهناك شائعة قوية، تقول: إن أحد كبار الأثرياء الأمريكيين قد ابتاع التابوت سراً، وبداخله مومياء الكاهنة بالطبع، خشية أن يطالب به متحف (نيويورك) رسمياً، نظراً لأنه كان مشحوناً لحسابه، بالفعل، عندما غرقت (تايتانيك)..
ولكنها تبقى مجرد شائعة..
تماماً ككل ما يرتبط بتلك اللعنة الوهمية المزعومة..
فمن المدهش أنه، وعلى الرغم من انتشار المصطلح، ومن آلاف القصص والروايات، وأفلام السينما، والكتب التى دارت حوله، إلا أنه لا توجد قصة دقيقة واحدة، أو حتى رسالة علمية منطقية، حاولت البحث عن الأمر..
كل ما حدث هو عملية رصد دقيقة لحالات الوفيات، بين معظم من عملوا فى مجال البحث عن الآثار الفرعونية..
والفرعونية بالتحديد..
فالعجيب أن أحداً لم يتحدث عن أية لعنة، تصيب الباحثين عن الآثار الرومانية، أو اليونانية، أو الآشورية، أو حتى حضارات الأنكا، فى (أمريكا) الجنوبية.. فقد ارتبطت اللعنة بالآثار الفرعونية..
وبالذين سعوا خلف الآثار الفرعونية..
الرحالة الشهير (بلزونى) مثلاً، جاب العالم، بحثاً عن الآثار، فى مختلف البلدان، وحقق انتصارات مدهشة ومثيرة، دون أن يصيبه مكروه..
ثم جاء إلى (مصر)، وبدأ ينبش قبور الفراعنة، ونقل قاعدة تمثال (آمون) من (الأقصر)، وانتشل مسلة من قاع النيل، وأجرى أبحاثاً طويلة عن هرم (خوفو)، بحثاً عن مدخله، واقتحم المقابر، والمعابد، واستخرج الجثث، والمومياوات، والعظام..
ثم فجأة، أصابه ذلك المرض الغامض، الذى أصاب معظم علماء الآثار، فسيطرت عليه حمى لاهبة، وأصابه الهذيان، وطاردته الهلاوس، حتى لقى حتفه، فى مساء الثالث من ديسمبر، عام 1823م، وهو بعد فى الخامسة والأربعين من عمره..
نفس الحمى..
ونفس النهاية..
ولأن حالات الموت متشابهة دوماً، فى كل من أصابته لعنة الفراعنة المزعومة، فقد جذب هذا انتباه واهتمام البروفيسير الألمانى (فيليب فاندنبرج)، والذى خرج إلينا بتفسير جديد للعنة الفراعنة..
تفسير علمى..
ولأوَّل مرة.
4 - وتحدث العلم..
* عبر السنوات الطويلة، التى تردَّد خلالها مصطلح (لعنة الفراعنة)، كانت معظم الكتب والدراسات، الخاصة بها، تقتصر على تسجيل ورصد الحالات، التى ارتبطت بالتنقيب عن آثار فرعونية، والتى لاقت مصيراً غامضاً، وعانت من حمى غامضة مجهولة، تنتهى عادة بالوفاة..
ثم جاء كتاب البروفيسير الألمانى (فيليب فاندبنرج)..
وكتاب (فاندبنرج) يعد موسوعة علمية متكاملة، عن (لعنة الفراعنة)، ومحاولة شديدة الجرأة؛ للبحث عن تفسير علمى لها، من خلال مختلف اتجاهات العلم، بدءاً من الكيمياء، ووصولاً إلى الإشعاعات النووية..
ولقد اهتم (فاندبنرج) كثيراً بتسجيل معظم الحالات، التى أصابتها (لعنة الفراعنة)، من وجهة نظره، ثم توقف طويلاً عند تلك الحمى، التى أصيبت بها معظم الحالات، والتى أدت إلى الهذيان والهلوسة، ثم الموت فيما بعد..
ومن هنا، وضع العالم الألمانى نظريته..
ونظرية (فاندبنرج) تربط لعنة الفراعنة بثلاثة احتمالات علمية، تبدو فى جانب منها منطقية ومعقولة، إلى حد كبير..
الاحتمال الأوَّل هو أن تحوى مقابر الفراعنة، وملوكهم على وجه الخصوص، غازات سامة، أو عقاقير وأتربة بطيئة المفعول، من ابتكار الكهنة، الذين أخفوا دوماً علومهم عن العامة، وإن تركوا لنا دلائلها، من خلال سر التحنيط، الذى حار فيه علماء الكيمياء، حتى يومنا هذا..
ومن وجهة نظر العالم الألمانى، أن الكهنة قد ابتكروا نوعاً من السموم شديدة البطء، أشبه بعقاقير الهلوسة، ومزجوها بأتربة المقابر الخاصة بالملوك، كوسيلة لعقاب كل من تسول له نفسه نبشها أو سرقتها..
وربما كانت تلك العقاقير أكثر تأثيراً فى الماضى، وأسرع مفعولاً، إلا أن خواصها قد تغيرت تماماً، عبر آلاف السنين من التخزين، ولكنها، وفى كل الأحوال، تترك أثرها فى دماء كل من يقتحم المقابر الفرعونية، ويستنشق ترابها، ثم يبدأ تأثيرها بعد عدة سنوات، على شكل حمى، وهذيان، وهلوسة..
والاحتمال قد يبدو منطقياً للوهلة الأولى، إلا أن قليل من التفكير فيه، يجعلنا ندرك عقمه تماماً، إذ أن العلم قد قطع شوطاً ضخماً، فى السنوات العشر الأخيرة، وأصبح من السهل تحليل أتربة المقابر، ومعرفة كل ما تحويه، بل إنه هناك مراكز متخصصة لأبحاث التربة، يمكنها تحديد مكونات أية عينة من الأتربة بمنتهى الدقة..
وبمنتهى السرعة أيضاً..
والكشوف الأثرية ما زالت مستمرة، ولم تتوقَّف حتى الآن، ولو أن احتمال السموم بطيئة المفعول هذا وارد، لتوصل إليه العلم الحديث فوراً..
ولكن (فاندبنرج) نشر كتابه فى سبعينات القرن العشرين، وقبل أن يبلغ العلم هذا الحد، أو تظهر أجهزة وبرامج الكمبيوتر، التى قلبت كل الموازين، رأساً على عقب..
ولكن دعونا لا نتوقف طويلاً عن الاحتمال الأوَّل، ولننتقل منه إلى الاحتمال الثانى، والأقرب إلى المنطق..
الفيروسات..
فالبروفيسير الألمانى يفترض أنه كان هناك فيروس قديم، كامن فى أتربة مقابر ملوك الفراعنة..
فيروس ساد فى القرن القديمة، أو استخدمه الكهنة أيضاً، فى فترة ما، أو أنهم قد ورثوه من حضارة سابقة!!..
وذلك الفيروس ينتقل إلى أجساد من يقتحم المقابر، ويسرى فى دمه وأنسجته، ليقضى فيها فترة حضانته، التى تبلغ سنوات وسنوات، وترتبط بالقابلية الشخصية للإصابة، وبقوة مناعة الجسم، التى تختلف من شخص إلى آخر.. وعندما يبدأ ذلك الفيروس المفترض نشاطه، يصاب الإنسان بالحمى، التى تهاجم المخ على الأرجح، مسببة الهذيان والهلوسة..
والاحتمال هذه المرة منطقى وعلمى تماماً، ويمكننا هضمه واستيعابه، إلى حد كبير، وخاصة بعد ظهور فيروس (الإيدز)، الذى يكمن فى الأجساد لسنوات طويلة بالفعل، قبل أن تبدأ أعراضه فى الظهور..
ثم أن فكرة الفيروس هذه تتناسب مع الحمى المخية، والهذيان، والهلوسة، والوفاة أيضاً..
وكذلك تتفق مع عجز الأطباء عن تشخيص المرض، فى عصر لم تكن الأبحاث الطبية قد تطوَّرت إلى الحد الكافى، لكشف مثل هذه الكائنات الدقيقة، واستيعاب طبيعتها وأعراضها..
ولكن تعود بنا الخيوط إلى السؤال الأوَّل..
لماذا لم يعد ذلك الفيروس يظهر، فى الكشوف العلمية والأثرية الحديثة؟! هذا السؤال نتركه للبروفيسير الألمانى، ونتركه لعقولنا، تدرسه، وتناقشه، وتحلله..
ثم تتوصل إلى نتائجه..
أما نحن، فسننتقل إلى الاحتمال الثالث، فى نظرية (فاندبنرج)..
والاحتمال الثالث مدهش، ومثير للحيرة، ولست أدرى حتى كيف وضعه العالم الجليل، ولكن يبدو أن إيمانه بالفراعنة كان يتجاوز كل الحدود..
فذلك الاحتمال، هو أن ترتبط (لعنة الفراعنة) بنشاط إشعاعى ذرى، ظل مختزناً داخل مقابر الملوك لآلاف السنين، لينطلق فى وجه كل من ينبشها..
وربما يتفق الاحتمال مع بعد التأثير، ومع أعراض الحمى والهلوسة والهذيان، والموت فى نهاية المطاف، كما يتفق أيضاً مع عجز الأطباء القدامى عن تشخيص الحالات، وحيرتهم فى مواجهتها، إلا أنها تضعنا أمام احتمال جديد، يبدو أكثر خيالاً من كل ما سبقه..
احتمال أن الفراعنة كانت لديهم معرفة دقيقة بالنشاطات الإشعاعية.. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق..
حتى لو افترضنا أنهم قد توصلوا إلى تراب اليورانيوم مثلاً، وأن الكهنة قد أدركوا أنه يختلف عن التراب العادى، وأن له تأثيرات فتاكة على كل من يلمسه أو يستنشقه، فسنتساءل بدورها، كيف أمكنهم اتقاء تأثيره عليهم، دون أن تكون عندهم أبحاث، ودراسات، ووسائل مقاومة؟!..
ولو افترضنا أن هذا قد حدث بالمصادفة، ودون وعى منهم، وأن بعض المواد، الداخلة فى مساحيق التحنيط، كانت مواد مشعة فتاكة، فأين ذهبت هذه المواد، ولماذا غاب تأثيرها، واختفت من المقابر، على الرغم من أنها قد بقيت لآلاف السنين؟!..
ثم لماذا تواجدت فى الكشوف القديمة، ولم تتواجد فى الكشوف الحديثة؟! كل هذا ينبغى أن يقودنا إلى نتيجة واحدة لا غير، مع جزيل احترامنا للبروفيسير (فيليب فاندبنرج)، وشهرته، وعلمه الغزير..
يقودنا إلى أنه لا وجود لما يسمى بـ(لعنة الفراعنة)!..
ربما كانت هناك حوادث عديدة، ترتبط بكل من نقب عن الآثار، فى أزمته انخفضت فيها درجة الوعى الصحى، إلا أن هذا لا يعنى وجود لعنة أسطورية، صالحة لخيال الكتاب والسينمائيين، ولكنها غير قادرة على إقناع أى صاحب عقلية علمية أو منطقية..
وهنا، ينبغى أن أضم صوتى لكل الأصوات، التى ترفض، وبشدة، فكرة (لعنة الفراعنة) هذه، والتى تستنكر حتى ترديد المصطلح، أو حتى مناقشة احتمالات صحته..
وأهم ما ينبغى معرفته، فى هذا الشأن، هو أن أكثر من هاجم الفكرة، وحارب لإثبات زيفها وحمقها، هو الشخص الذى ارتبط اسمه بمنشئها، منذ أول مرة ظهر فيها المصطلح..
(هوارد كارتر) شخصياً..
فمع شغف الناس بالحديث عن الأمر وترديده، كتب (كارتر) عدد كبير من المقالات، وألقى مئات المحاضرات، واشترك فى عشرات الندوات، ليهاجم الفكرة، ويؤكد أنها مجموعة من المصادفات السخيفة، بدليل أنه أول من دخل مقبرة (توت غنخ آمون)، أو أول من رصد ما بداخلها، لو شئنا الدقة، ولم تصبه أية أعراض، يمكن أن ترتبط بالمصطلح..
لا ألم، أو حمى، أو هذيان، أو هلوسة..
ولقد عاش (كارتر) حتى عام 1939م، فى صحة جيدة، ودون أن يعانى سوى من الأعراض الطبيعية للتقدم فى العمر، حتى مات ميتة هادئة فى فراشه، وهو يواصل إنكاره واستنكاره لفكرة (لعنة الفراعنة)..
ولكن العجيب والمدهش أن أحداً لم يستمع إليه..
هذا لأن الفكرة، بما تحويه من أسطورية وغيبيات، قد استهوت الناس، فى كل أنحاء العالم، وأصبحت مادة تجارية رابحة، ووسيلة لترويج مئات الكتب، والروايات، والدراسات، وأفلام السينما..
وهكذا أغلقنا جميعاً باب العقل والمنطق، وغرقنا حتى النخاع فى هلاوس وخزعبلات وخرافات، وروايات لا أثل أو أساس لها..
أو ربما نفعل هذا كجزء من لعنة، تلازمنا جميعاً بلا هوادة..
لعنة الفراعنة.
تمت بحمد الله
مواضيع مماثلة
» دراسة (لعنة الفراعنة) ج 1
» أعراض دراسة البكالوريا
» أحفاد الفراعنة تفوقوا على شقيقهم المنتخب الجزائري برباعية نظيفة وتأهلوا لنهائي كأس أفريقيا
» أعراض دراسة البكالوريا
» أحفاد الفراعنة تفوقوا على شقيقهم المنتخب الجزائري برباعية نظيفة وتأهلوا لنهائي كأس أفريقيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى